أخبار 2009
أخبار 2010
أخبار 2011
أخبار 2012
أخبار 2013
أخبار 2014
أخبار 2015
أخبار 2016
أخبار 2017
أخبار 2018
أخبار 2019
أخبار 2020
أخبار 2021
أخبار 2022
أخبار 2023
أخبار 2024
السندونولوجيا أو عِلم كفن...
المذخر والقماشة والآثار
ميزات الجسم وميزات القماشة
الكفن إنجيل مرئي
من أورشليم الى تورينو
أبجر عند اوسابيوس القيصري*
أبجر عند الرحالة إجيريا*
أبجر عند الانطاكي*
أبجر عند إبن العبري*
أبجر في السنكسار الماروني*
المنديل عند الأنطاكي*
المنديل عند ابن الأثير*
المنديل عند ابن العبري*
الصلب في التاريخ وعلم الآثار
الصلب في معسكرات الاعتقال...
الصلب في الإسلام
صلب الحسين بن منصور الحلاّج
صلب عين القضاة الهمذاني
صلب عبد تركي في دمشق*
فيلم مِل غيبسون
تقرير بيلاطس البنطي عن يسوع...
أيقونة بيروت العجائبية
رسالة ثيوذورس إنغلس كومنينس
مذكرة بيار دارسي
رواية الراهبات الكلاريات
رسالة سكوندو بيا
رسالة بول كلوديل
السنوات الضائعة
سيرة حياة أرييل أجميان
البدايـــات
تأريخ كفن تورينو بالوسائل...
مسيرة فحص الكربون 14 وكفن...
كفن تورينو في العام 2002
نقد غارلاسكيللي
مقاييس قماشة الكفن ورجل...
تقرير فريق ستارب
نقد تقرير الأو تي في
أعضاء فريق ستارب STURP
رابطة الكفن المقدّس في لبنان
مؤتمرات الكفن العالمية
فريق الكربون 14 الأول*
فريق الكربون 14 الثاني*
المكتبة
المحاضرات
مواقع متصلة
موقف إيجابي غير ملزم
شارل بوروميه
فرنسيس دي سال
سيباستيان فالفريه
تيريز الطفل يسوع
يوحنا بوسكو*
الرهبان السالسيون
سيلفسترس الأول (...-314-335)
غريغوريوس الأول الكبير...
اسطفانس الثاني (...-752-757)
سرجيوس الرابع...
إقليمنضس الثالث...
يوحنا الثاني والعشرون...
يوليوس الثاني...
بيوس السابع (1742-1800-1823)
لاون الثالث عشر...
بيوس الحادي عشر...
بولس السادس (1897-1963-1978)
يوحنا بولس الثاني...
بنديكتس السادس عشر...
فرنسيس (1936-2013-...)
جوزفين وولام*
فرنكا سوزاني
آلام المسيح في العهد القديم
رموز العهد القديم إلى جراح...
وجه الرب في الكتاب المقدس*
معنى الصليب في رسائل العهد...
ماذا رأى يوحنا الرسول في...
الجمل... الزوفى... اللفائف
عمر المسيح يسوع
تقاليد اليهود في دفن موتاهم
صلاة الميناون
حجاب قبر المخلّص الإلهي
دعاء فاسيلو*
أيّها الجُرحُ الفاغِرُ...
درب الصليب (باللبناني)
تـرانـيـم مناسبة
مسبحة الوجه الأقدس والطلبة
صلاة الكردينال سيفيرينو...
صلاة المطران شيزاره نوسيليا
توابع أم ذخائر؟
من أورشليم إلى أرجانتوي*
صلاة أمام القميص المقدس
مؤتمر ومسيرة العام 2011
مسيرة العام 2012
العرض العلني العام 2016
من أورشليم الى كاهور
وصف القلنسوة
صلاة أمام القلنسوة المقدسة
Back الكفن إنجيل مرئي
facebook
Twitter
Whatsapp
Print

في ما العلماء يدرسون الكفن، لاحظوا أنّ الآثار التي على القماش تطابق ما كُتب في روايات الآلام الواردة في الأناجيل الأربعة، ما يجعل من الكفن «إنجيلاً خامسًا» مرئيًا يُظهر ما يقرأه الناس في الرواية المكتوبة. وهذا التطابق يزيد من إمكانيّة أن يكون كفن تورينو هو كفن يسوع، وليس كفن أيّ إنسانٍ آخر. وسنقوم، فيما يلي، بمقارنة آثار الجسم المدمّى والمصلوب الظاهرة على الكفن مع الوصف الوارد في روايات الآلام.

 

أولاً – الضربات واللطمات

الضربات واللطمات
الضربات واللطمات

«وأخذ بعضهم يبصقون عليه، ويقنّعون وجهه ويلطمونه ويقولون: تَنبَّأ! وانهال الخدم عليه باللطم» (مرقس 14: 65).

 

جرى هذا ليلة القبض على يسوع، لَمَّا سيق إلى السنهدرين للمحاكمة، في حضرة قيافا، عظيم الأحبار، والكتبة والشيوخ، حيث سُجن حتّى الفجر، قاسى شتى أنواع العذابات.

هنا تمّ نتف اللحية، وذلك واضح على الوجه، إذ تبدو اللحية بشكل رقم ثمانية أي منتوفة في الوسط. وهنا لطمه على وجهه أحد حرّاس عظيم الأحبار، مسبِّبًا له تورّمًا في الخدّ، ورضوضًا في الأنف (يوحنا 22:18)، ازدادت في اليوم التالي، على أثر تعرّضه لسخرية الجنود الرومان، وأثناء مسيرته الشاقّة نحو الجلجلة، بحيث طالت الوجنة اليمنى، والشفة العليا، والفكّ، والحاجب الأيسر. إنّ آثار هذه اللطمات بادية على الكفن.

 

 

ثانيًا – الجَلْد الروماني flagellatio

 

الجَلْد الروماني
المحكوم عليه يخضع لعمليّة الجَلد

«فأخذ بيلاطس يسوع وجَلَدَه» (يوحنا 1:19).

 

إنّ آثار الجَلد ظاهرة بصورة جليّة على الجهة الخلفيّة بدءًا من الظهر وحتّى القدمين، وهي متمثلة ببقع الدم الغامقة اللون، والمنتشرة على طول الجسم. أمّا آثار الجَلد على الجسم من الأمام فهي أقلّ من الآثار البادية على الجسم من الوراء، وذلك لأنَّ مَن خضع للجلد كان يقف عريانًا، ومربوطًا إلى عمود، ووجهه تجاهه، وكان الجلاّد، الواقف وراءه، يتجنَّب توجيه ضرباته لناحية القلب، لئلاّ يموت، إذ كان المطلوب معاقبة يسوع ثمّ إطلاق سراحه (لوقا ١٦:٢٣)، ولم تكن لدى بيلاطس، في البدء، نيّة تسليمه ليُصلَب.

 


الجَلْد الروماني
المجلد (الكرباج) الروماني

ومن المؤكَّد أن عمليّة الجَلد قام بها الجنود الرومان، لا اليهود، لأنّ آثار الجَلد في صورة الكفن تتطابق مع وسيلة الجَلد الرومانية المسمّاة فلاغروم flagrum، نجد نماذج عنها في المتاحف، وهي عبارة عن مقبض ينتهي بثلاثة أطراف من الجِلد، في رأس كلّ طرف قطعة من عظام أرجل الغنم، أو كُرَتان متلاصقتان من الرصاص.
مع العلم أنّ عقاب الجلد، ولو استعمله الرومان بشكل واسع، لم يكن غريبًا عن المجتمع اليهودي إذ جاء في سفر تثنية الاشتراع ٣:٢٥ ما يلي: «إذا وقعت خصومة بين أناس ومثلوا أمام القضاء... وإن كان الشرّير يستحقّ الجَلد... يجلده أربعين ولا يزيد». ويقول بولس، في رسالته الثانية إلى أهل قورنتس ٢٤:١١ ما يلي: «جلدني اليهود خمس مرّات أربعين جلدة إلاّ واحدة».
كان الجَلد ينتزع قطعًا من اللحم عن الجسم، ويسبِّب جروحات بليغة، وكدمات موجعة. قام الأطباء الذين عاينوا الكفن بتعداد تلك الجروحات، وتفاوت العدد بين ما أحصاه الدكتور الفرنسي بيار باربيه، مثلاً، في الخمسينات من القرن الماضي، والدكتور الأميركي من أصل لبناني فريدريك زوغيبي، منذ بضع سنوات، ومؤخرًا العالم الإيطالي جوليو فانتي، وهذا أمر طبيعي ناتج عن التطوّر السريع في المعدات المستعملة.
بَيّن التعداد القديم وجود ١٢٠ أثرًا على قماشة الكفن عائدة إلى عمليّة الجلد، رأى فيها العلماء في حينه بأنّها تتوافق مع طريقة الجلد اليهودي التي أراد العسكر الروماني مراعاتها، لأسباب يمكن تخمينها: ٤٠ جلدة x ٣ = ١٢٠ أثرًا.
أمّا التعداد الحديث، فقد بَيّن وجود كدمات وجروح رضيّة على القماشة بلغ عددها ٣٧٢ ، منها ١٥٩ على الجسم من الأمام، و٢١٣ على الجسم من الوراء.
 

 

 

ثالثًا – إكليل الشوك

 

إكليل الشوك
إكليل الشوك على رأس المسيح

«وضفروا إكليلاً من شوك ووضعوه على رأسه، وجعلوا في يمينه قصبة» (متى 29:27).

 

إنّ الشوك المغروز في الرأس تسبَّب بجروحات بليغة، ونزيفٍ قويّ، آثاره واضحة على الكفن من جهة الرأس، خصوصًا من الناحية الخلفيّة، وعلى طول الشعر. وهذا يتوافق مع حركة المصلوب الذي غالبًا ما يَضرب رأسه بخشبة الصليب، فيغرز الشوك في الرأس، مسبِّبًا ألمًا مبرحًا.

 

لم يكن إكليل الشوك من العذابات التقليديّة التي يتلقّاها المحكوم عليه بالصلب، إذ لم يذكر التاريخ حالة مماثلة، كما أنّه لم يوضع على رأس اللّصين. أمّا يسوع، فقد جعلوا على رأسه إكليل الشوك بدل إكليل الغار الذي كان يوضع على القادة الأبطال، أو بدل التاج الذهبي والمرصّع بالأحجار الثمينة الذي كان يوضع على رأس الملوك، وذلك ليسخروا منه، إذ قال إنّه ملك اليهود.

 

إنّ سيلانات الدم، والجروح البادية على الرأس، من الأمام ومن الوراء، كما نراها على الكفن، تحملنا على استبعاد فكرة وجود إكليل couronne من الشوك، كما تُصوِّره لنا الإيقونوغرافيا التقليديّة، على مثال تيجان الملوك في الغرب، بل بالأحرى، إنّه «عرقيّة» tiare من الشوك، على مثال تيجان ملوك الشرق، وقد شُدَّت أطرافه حول الرأس برباط.

 

إكليل الشوك
ما تبَقّى من إكليل الشوك

ما هو جنس الشوك الذي وُضع على رأس المسيح؟ نستبعد كلّيًّا أن يكون من نبات القندول، ذات الزهرة الصفراء، كما يقول بعض اللبنانيين؛ أو من الزيزفون، نسبة إلى التقليد الذي يقول إنّ شجرة الزيزفون ملعونة، لأنّها تُزهر من دون أن تعطي ثمرًا، لأنّ شوكهااستُعمل لتكليل المسيح. ومنهم مَن يقول بأنّه صُنع من شجيرات البلاّن Sarcopoterium Spinosum أو الكبّاد أو العكّوب Gundelia Tournefortii.

من المرجّح أن يكون إكليل الشوك صُنع من أغصان شجر العنّاب البرّي Ziziphus Spina Christi ذات الأشواك الحادّة التي باستطاعتها اختراق الرأس، وبخاصّة، إذا «أخذوا القصبة وجعلوا يضربونه بها على رأسه» (متى 30:27). وقد استعان الجنود الرومان ببعض الأغصان من قصب الخيزران، ليضبطوا الشوك على الرأس.






 

صليب القدّيس داميانمذخر شوك المسيح في متحف الأرمن الأرثوذكس في انطلياس
مذخر شوك المسيح في متحف الأرمن الأرثوذكس في انطلياس

تحتفظ كاتدرائيّة نوتردام، في باريس، بما تَبقّى من إكليل الشوك، أي قصب الخيزران فقط، بعد أن وُزِّعت الأشواك بمثابة ذخائر، ما زال البعض منها يُكرَّم في الكنائس الموجودة فيها. يُعرض الإكليل للجمهور، أثناء زمن الصّوم الكبير. من المعروف أنّ ملك فرنسا، القدّيس لويس التاسع (1214-1270) هو الذي اشترى الإكليل، من القسطنطينيّة، بملغ كبير جدًّا، بلغ 135 ألف ليرة، وشَيّد كنيسة خاصّة، دُعيت لاسانت شابيل La Sainte Chapelle ليحفظه فيها، كَلَّف بناؤها 40 ألف ليرة فقط، وهو مبلغ زهيد، بالنسبة إلى ثمن الإكليل. وقد تَسلَّم الملك المذكور الإكليل، في 10 آب 1239، وحَمَلَه في مسيرة طويلة، وهو حافي القدمين، لابسًا قميصًا بسيطًا، وخالعًا تاجه عن رأسه.

 

أمّا في لبنان، فهناك نصرة صغيرة جدًّا من إكليل الشوك، والأرجح أنّها تعود إلى قصب الخيزران، موجودة في المتحف الكائن في كاثوليكوسيّة الأرمن الأرثوذكس في أنطلياس، وأخرى مماثلة عند الأرمن الكاثوليك في متحف دير بزمار.

 

رابعًا – وضع الصليب على المحكوم عليه

 

وضع الصليب على المحكوم عليه
الصليب مؤلّف من قطعتين

«أَلبَسوه ثيابه وساقوه ليُصلَب» (متى 31:27).

 

كانت العادة أنْ توضع خشبة على المحكوم عليه، وينطلق بها مُساقًا من مقرّ المحكمة إلى مكان الصلب الذي يقع خارج أسوار المدينة. وكان الصليب يتألّف من خشبتين: الأولى عموديّة وتسمى Stipes، والأخرى أفقيّة وتسمى patibulum. فالعموديّة كانت تُثبَّت في مكان الصَلْب، مغروزةً في الأرض، وطرفها الأعلى، المشغول بشكل «خابور»، مجهَّز لكي يخترق وسط الخشبة الأفقيّة التي يحملها المحكوم عليه، عند وصوله إلى المكان المذكور. ويبدو أنّ هذه الطريقة، ولو كانت مخالفة للإيقونوغرافيا التقليدية، هي الأقرب إلى المنطق والواقع التاريخي، بالاستناد إلى الحجج التالية:

 

- إنّ أمر الصلب الذي كان يلفظه القاضي الروماني، في المحكمة، يقوله كما يلي: Pone crucem servo أي «ضَع الصليب على العبد» ولا يقول مثلاً: «فليحمل العبد صليبه» أو «ضَع العبد على الصليب».

 

وضع الصليب على المحكوم عليه
آثار حمل الصليب البادية على الكفن

- إنّ حمل الخشبة الأفقيّة وحدها، وقد يبلغ وزنها حوالي الخمسة والعشرين كيلوغرامًا، لهو أسهل بكثير، من حمل الصليب بكامله، الذي قد يبلغ وزنه حوالي الماية كيلوغرامًا، مما يزيد من إمكانيّة استحالة حمله لمسافة طويلة، من قِبَل أي رجل، مهما كان قويًّـا.

 

- إنّ عمليّة تحضير صليب كامل تتطلَّب وقتًا طويلاً، وكلفة أكبر. فتوفيرًا للوقت والمصروف، وفي حال وجود عدّة محكومين بالموت صلبًا، يُعتَبر منطقيًا بقاء الخشبة العموديّة ثابتة في مكانها، وإعداد الخشبة الأفقيّة وحسب، في كل عمليّة صلب.

 

إنّ رجل الكفن قد وُضعت عليه خشبة الصليب الأفقيّة، وهناك آثار على الكتفين، في مستوى «عظم الرفش» تؤكِّد أنّ حِملاً ثقيلاً ضغط عليهما. ومع أنّ دراسات العالم جوليو فانتي وزملاؤه الأخيرة لا تستبعد أن يكون المسيح قد حمل الصليب كلّه، بخشبتيه، لكنّ الرأي الراجح يبقى لِما قلناه سابقًا.

 



خامسًا – مسيرة درب الصليب

 

«وخرجوا به ليصلبوه. وسَخَّروا لحمل صليبه أحد المارّة سمعان القيريني... وكان آتيًا من الرّيف. وساروا به إلى المكان المعروف بالجلجثة، أي مكان الجمجمة» (مرقس 15: 20-22)

 

أثناء المسيرة إلى الجلجلة، هناك احتمالٌ كبير أن يكون المسيح وقع على الأرض رازحًا تحت ثقل الصليب. وهذا الأمر يؤكّده مظهر الأنف الملتوي، ووجود بعض الجروحات على مستوى الركبتين، بالإضافة إلى «أوساخ» ربّما تكون من التراب موجودة على الركبتين وعلى الأنف. إنّ حامل الصليب، ويداه مربوطتان، معرّض للوقوع أرضًا، بسبب الألم وقواه الواهنة، لذلك تكون الوقعة على وجهه وركبتيه حتمًا.

 

نستبعد كلّيًّا أن يكون المسيح قد وقع ثلاث مرّات كما هو وارد في صلاة درب الصليب، لأنّ ذلك من شأنه أن لا يجعل له قدرة على النهوض، وبالتالي البقاء على الطريق والموت عليها، ما لم يكن مسموحًا عند العسكر المسؤول عن تنفيذ الحكم. فالواجب كان يقضي بأن يصلوا بالمحكوم إلى المكان المعيّن رسميًّا للصلب، من هنا تسخير سمعان القيريني ليحمل الصليب عنه. لذلك، لا يمكن أن يكون وقع على الأرض أكثر من مرّة واحدة.

 

سادسًا - الصَلب ودقّ المسامير

 

«فصلبوه ثمّ اقتسموا ثيابه» (متى 35:27)

 «إذا لم أُبصر أثر المسمارين في يديه، وأضع إصبعي في مكان المسمارين، ويدي في جنبه، لن أومن» (يوحنا 25:20).

 

لم يكن الصلب شائعًا عند اليهود، إذ كانوا يلجأون إلى الرجم، أو إلى تعليق الشخص على شجرة، بعد الفراغ من قتله. أمّا الرومان فقد مارسوه بامتياز، على اللصوص والعبيد والخونة والقراصنة والثّوار. كانت الألسن تتداول أخبار المصلوبين، وتناولها المؤرِّخون الرومان في أعمالهم، والأدباء في مسرحيّاتهم، أمثال شَيشرون (106 – 43 ق.م.) الذي هاله شناعة الصليب وفظاعته ، فكتب:

 «لو هدَّدونا بالموت، فلنمت أحرارًا على الأقلّ. أجل، فليبتعد الجلاّد والحِجاب على الرأس وحتّى ذِكرُ الصليب، لا عن الرومانيين وحسب، بل عن أفكارهم وعيونهم وآذانهم». لذلك، مُنع تنفيذ الصلب على المواطنين الرومان، ولذلك لم يُصلب مار بولس، وهو مواطن روماني، بل قُطع رأسه. أمّا مار بطرس الجليليّ، فقد صُلب ورأسه إلى الأسفل.

 

غالبًا ما كان يتمّ الصلب بدقّ المسامير في اليدين والرجلين. ولا بدّ من الإشارة إلى أنّ المكان الصحيح للمسمار هو في الرسغ، خلافًا للإيقونوغرافيا التقليدية التي ترسم المسمار في راحة الكف، فيتسنّى لعظام الرسغ من حمل ثقل جسم المصلوب، ما لا يمكن راحة الكفّ أن تقوم به. وهذا ما أكّده الأطباء باربيه وزوغيبي.

 

المصلوب بريشة أنطون ڤان دايك (1599-1641)
المصلوب بريشة أنطون ڤان دايك (1599-1641)
المسامير في الرجلين
المسامير في الرجلين

 صليب القدّيس داميان
صليب سان داميان
منمنمة الصلب في إنجيل رابولا
منمنمة الصلب في إنجيل رابولا

ومع أنّه ليس باستطاعتنا تحديد المكان الذي دخل فيه المسمار في اليد، لأنّ الكفن يبيّن لنا مكان خروجه عند ظهر اليد فقط، ما حدا بالبعض إلى عدم استبعاد فكرة دقّ المسمار في راحة اليد، لكنّ الاحتمال المقدَّم سابقًا هو الأقرب إلى الواقع.

 

أمّا بالنسبة إلى الرِجلين، فإنّنا نرى أنّه من الصعب جدًّا دقّ مسمار واحد في المكان المناسب، في القدمين معًا. لذلك نرجِّح أن يكون الجلاّد استعمل مسمارين، واحدًا في كلّ قدم، وهذا أمتن، من الناحية العمليّة، ويؤكّده الأطبّاء الاختصاصيّون.

 

لكنّ آباء الكنيسة، مثلاً، اختلفوا في تحديد عدد المسامير: فقبريانُس (†258) وأومبروسيوس (†397) وغريغوريوس من تور (†594) يتكلّمون عن أربعة مسامير؛ فيما يذكر غريغوريوس النازيانزيّ (†390) وبونافنتورا (†1274) ثلاثة مسامير فقط! ومع ذلك، فالعديد من الأيقونات القديمة يُظهر يسوع المصلوب مع مسمارٍ في كلّ قدم، كما في منمنمة إنجيل ربّولا (586) وصليب داميان ذات التأثير السريانيّ (القرن الثاني عشر).

 

من الواضح أنّ رجل الكفن هو مصلوب، وآثار المسامير بادية على اليدين والرجلين.

 

سابعًا – طعنة الحربة وكسر الساقين

 

المصلوب بريشة أنطون ڤان دايك (1599-1641)
طعنة الحربة في الجنب الأيمن

«أمّا يسوع فلمّا وصلوا إليه ورأوه قد مات، لم يكسِروا ساقيه، لكنّ واحدًا من الجنود طعنه بحربة في جنبه، فخرج لوقته دمٌ وماء» (يوحنا 33:19 - 34).

 

إنّ رجل الكفن مطعون في جنبه الأيمن حيث الجرح المفتوح، والدم السائل منه، وهو لم تُكسر ساقاه لأننا نراها كاملة ومستقيمة، من دون أيّ تشويه. إنّ عمليّة كسر الساقين إجراءٌ عاديٌّ ونهائيٌّ يقوم به الجنود مع جميع المصلوبين. وقد ارتأوا ألاّ يكسروا ساقي يسوع لغاية في نفسهم، وبعدما رأوا أنّ لا لزوم لذلك، خاصة أنّ الوقت قد دهمهم، واستولى الخوف عليهم، نتيجة زلزال صَدَّع الأرض (متى 27: 51) وظلام خَيَّم على الأرض (لوقا 23: 44) ؟ ثمّ إنّ الجنود استعجلوا العودة إلى المدينة المزدحمة بزوار الفصح، لحفظ الأمن، خوفًا من بروز مظاهر شغب، بين الشّعب، بسبب القيام بعمليّة الصلب، ومراعاة لحرمة «السبت» القاضية بعدم التجوّل، بعد هبوط الظّلام.

 

لكنّ طعنة الحربة هي من الأعمال الواجبة، ينفِّذها المسؤول عن الصلب، عند الفراغ من المهمّة الموكولة إليه وإلى أفراد فرقته، حين يشارفون على مغادرة الجلجلة، وذلك للتأكّد من أن المصلوب قد مات. وما من شكّ أنّ الطعنة طالت اللصين، أيضًا، ولو لم يَذكر الإنجيليون ذلك. كانت الطعنة مدروسة من قِبَل الجنود الرومان الذين كانوا يتدربون على تسديدها أثناء المعارك، ويجب أن تدخل الحربة دائمًا من الجهة اليمنى للخصم لتصيب القلب مباشرة، لأنّ الترس يحمي الجهة اليسرى. إنّ الدم المتدفِّق من الجرح هو العلامة على الإصابة. ومن الواضح على الكفن أنّ الطعنة دخلت بين الضلع الخامس والسادس، وحصلت بعد الموت، نظرًا لكبر الجرح، إذ أنّ الجِلد، بعد الموت، لا يتقلَّص، ولا يلتحم. إنّ سيلان الدم الناتج عن الطعنة، كما رآه الإنجيلي يوحنا، يدلّ على إصابة الأذين الأيمن حيث يتجمّع الدم بعد الموت، والماء الذي رآه ما هو إلاّ السائل التيموري الذي تجمّع إثر العذابات الكبيرة التي تعرّض لها المسيح.

تحديث آذار ٢٠٢٣


Print
Go To Top
متابعة القراءة
Softimpact web design and development company website
© فارس ملكي ٢٠٠٩